شهد الاقتصاد الأمريكي انكماشًا خلال الربع الأول من العام، نتيجة لانخفاض الإنفاق الحكومي وارتفاع حاد في الواردات مع تسارع الشركات لتأمين البضائع قبل فرض الرسوم الجمركية الوشيكة.
ووفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة التجارة، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 0.3%، وهو تراجع ملحوظ بعد نمو بنسبة 2.4% تم تسجيله في الربع السابق.
ويعد هذا أول تراجع اقتصادي فصلي منذ ثلاث سنوات ويأتي وسط تصاعد حالة عدم اليقين العالمية التي أثارتها الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، ما غيَّر بشكل كبير ديناميات التجارة الدولية.
وقد حذر الاقتصاديون من أن تحديد التأثيرات بعيدة المدى لهذه التغيرات الجمركية يتطلب مزيدًا من الوقت والتحليل.
وعلى الرغم من أن الواردات تُعتبر عادة عامل سحب في حساب نمو الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن الارتفاع الأخير من المتوقع أن يعود إلى طبيعته في الأشهر القادمة، ولا تشير مثل هذه التقلبات بالضرورة إلى ضعف اقتصادي أساسي.
وقد ارتفع الإنفاق الاستهلاكي، الذي لا يزال المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي الأمريكي، بنسبة 1.8%—أي ما يمثل تباطؤًا مقارنة بالوتيرة المسجّلة في عام 2024.
وخلال اجتماع متلفز مع مسؤولي الحكومة، نسب ترامب التباطؤ الاقتصادي إلى السياسات التي سنها سلفه جو بايدن، مؤكدًا أن نهج إدارته سيشجع على الاستثمار ويعزز النمو القوي.
وقال ترامب: “هذا هو بايدن”، مقللًا من شأن مخاوف التضخم واضطرابات الإمدادات ونقص منتجات مثل الألعاب، في خضم تراجع كبير في حجم التجارة مع الصين.
وأضاف: “حسنًا، ربما يتعين على الأطفال الاكتفاء بدميتين بدلًا من 30. وربما تكلف هاتان الدميتان أكثر قليلاً من المعتاد”.
ورَد البيت الأبيض على نشر بيانات الناتج المحلي الإجمالي بوصفها “مؤشرًا ينظر إلى الوراء”.
وقالت السكرتيرة الصحفية كارولين ليفيت: “الأرقام الأساسية تروي القصة الحقيقية لزخم قوي يحققه الرئيس ترامب”.
ومنذ عودته إلى المكتب البيضاوي في يناير، فرض ترامب سلسلة من الرسوم الجمركية الجديدة تهدف إلى زيادة إيرادات الحكومة وتعزيز التصنيع المحلي.
وعلى الرغم من أن بعض السياسات تم تعديلها استجابة لقلق داخلي، أشار محللون إلى أن الولايات المتحدة تواجه الآن أعلى متوسط معدل فعّال للرسوم الجمركية منذ أكثر من قرن.
يغطي التقرير الحالي النشاط الاقتصادي حتى نهاية مارس، أي قبل إعلان ترامب عن رسوم “يوم التحرير” الواسعة النطاق التي تستهدف الصين وعدة دول أخرى،
والتي تسببت في تقلبات كبيرة بأسواق الأسهم والعملات والسندات.
وأظهرت البيانات أن الواردات ارتفعت بأكثر من 40% في الربع الأول، بينما زاد الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 1.8%، بانخفاض حاد عن 4% في نهاية 2024.
وأشار خبراء إلى أن هذه النتائج ربما تأثرت بتسريع المستهلكين والشركات لعمليات الشراء قبيل زيادات الرسوم المرتقبة.
وأشار التقرير أيضًا إلى ارتفاع غير متوقع في استثمار الشركات، بينما نمت المبيعات النهائية للمشترين المحليين من القطاع الخاص—وهي مقياس رئيسي للطلب—بنسبة 3%، وظلت تقريبًا دون تغيير عن الربع السابق.
وقال بول أشورث، كبير الاقتصاديين لأمريكا الشمالية في شركة “كابيتال إيكونوميكس”: “بشكل عام، ليس هذا بالسوء الذي كان يتوقعه الكثيرون”.
وتعد الرسوم الجمركية ضريبة على الواردات، وقد حذّر الاقتصاديون على نطاق واسع من أنها ستؤدي على الأرجح إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين.
وقد أعلنت عدة شركات، من بينها شركة الأدوات “ستانلي بلاك آند ديكر”، عن زيادات في الأسعار استجابةً لإجراءات التجارة الجديدة.
وفي حال قوبلت هذه التكاليف الأعلى بمقاومة من المستهلكين وتراجَع الطلب كما تم التنبؤ، فقد يشهد النمو الاقتصادي مزيدًا من الضغوط.
وفي ظل سيل من الإعلانات عن أرباح الشركات، أشار العديد من الشركات—بما في ذلك الشركات المصنعة للسيارات مثل “ستيلانتس” و”مرسيدس”—إلى أنها غير قادرة على تقديم توجيهات مستقبلية بسبب استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي.
وتراجعت المؤشرات الرئيسية لأسهم الولايات المتحدة عند افتتاح التداول استجابة لبيانات الناتج المحلي الإجمالي، بعدما استعادت خسائرها السابقة إثر تقليص بعض خطط الرسوم الجمركية، لكنها أنهت اليوم على استقرار.
وأشار اقتصاديون في “ويلز فارجو” إلى أن التجارة مثّلت أكبر عامل ضغط على النمو منذ أربعينيات القرن الماضي، لكن تداعيات الأرقام الأخيرة لا تزال غير واضحة.
وقالوا: “الاقتصاد الأمريكي الآن أمام خطر أعلى للركود مما كان عليه منذ شهر فقط، لكن هذا الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي لا يعني بداية الركود”.
تقرير إضافي بقلم بيرند ديبوسمان جونيور من البيت الأبيض