مع عودة الحياة اليومية في إسبانيا والبرتغال، يتحول التركيز من الأسباب الفورية لانقطاع التيار الكهربائي الهائل الذي حدث الأسبوع الماضي إلى الاستراتيجيات المطلوبة لمنع تكرار مثل هذا الفشل الواسع النطاق.
لم يتم إعلان استعادة الخدمة الطبيعية على الشبكة الوطنية في إسبانيا إلا الساعة 11:15 (09:15 بتوقيت غرينتش) يوم الثلاثاء، أي بعد نحو 23 ساعة من بدء الانقطاع، مما يُعد نهاية لانقطاع غير مسبوق.
تعود خدمات القطارات تدريجياً، رغم أن بعض الطرق لا تزال معلقة، كما تمت استعادة الكهرباء لمعظم الأسر في جميع أنحاء البلاد.
لا تزال هناك تساؤلات حول العملية التقنية وراء الاستعادة وأسباب هذا الانقطاع الممتد.
تميز يوم الاثنين في غالبية مناطق إسبانيا بفوضى واضطراب شديدين.
تشير الأدلة إلى حدوث فشلين منفصلين في الجنوب الغربي خلال ثوانٍ قليلة، تبعه فقدان الاتصال بشبكة الكهرباء الفرنسية لمدة ساعة تقريبًا.
شدد رئيس الوزراء بيدرو سانشيز على الاختفاء المفاجئ لـ 15 غيغاواط من الشبكة في الساعة 12:33 ظهراً يوم الاثنين، ما أسفر عن القضاء على حوالي 60% من إمدادات الكهرباء في إسبانيا فوراً.
وأكد مدير عمليات “ريد إلكتريكا” إدواردو برييتو أن النظام كان مستقراً حتى أدى فقدان التوليد في الجنوب الغربي إلى حدوث السلسلة.
من الجدير بالذكر أن جزر الكناري وجزر البليار والأراضي الإسبانية في شمال إفريقيا بقيت دون تأثير طوال الأزمة.
يتزايد التدقيق الآن حول ما إذا كان الاعتماد المتزايد على توليد الطاقة الشمسية والمتجددة ساهم في عدم استقرار الشبكة.
قبل انقطاع التيار بقليل، كانت إسبانيا تعتمد على الطاقة الشمسية الكهروضوئية لأكثر من 60% من إنتاجها الكهربائي، بينما شكلت الرياح والطاقة النووية معظم النسبة المتبقية.
وبالرغم من مزيج الطاقة المتطور والمتنوع في إسبانيا، إلا أن العطل تطلب جهوداً ضخمة ومنسقة لاستعادة الإمداد على المستوى الوطني.
كانت الأولوية الأولى، حسب “ريد إلكتريكا”، إعادة تنشيط المناطق التوليدية الرئيسية “لإعادة تنشيط الشبكة تدريجياً مع عودة الوحدات للعمل”.
أشار الخبراء إلى أن إعادة ربط جميع الأصول في وقت واحد كان سيعرض لخطر حدوث انقطاع جديد، لذا عمدت السلطات إلى إعادة التشغيل تدريجياً، باتباع ما يُعرف بـ”البداية السوداء”.
لعبت محطات الطاقة الكهرومائية—وخاصة محطات الضخ والتخزين، التي كانت في ذروة سعتها لهذا الموسم—دوراً أساسياً في التعافي بفضل قدرتها على الاستجابة السريعة.
كانت محطات الدورة المركبة للغاز ضرورية أيضاً، رغم أن الحادث أدى إلى إغلاق تلقائي لأربعة مفاعلات نووية في المراز وأسكُو وفانديلوس، مع توقف ثلاثة أخرى عن العمل.
كما وصلت المساعدة من جيران إسبانيا: ساهمت فرنسا والمغرب في جهود الاستعادة.
وأعلن المغرب أنه قدم 900 ميغاواط من الكهرباء عبر وصليْن فائقَي الجهد من فرديوا إلى طريفة.
في الوقت نفسه، أرسل مشغل الكهرباء الفرنسي RTE تدريجياً المزيد من الطاقة عبر الوصلات إلى كاتالونيا ومنطقة الباسك لتحقيق استقرار الإمدادات.
وذكرت شركة RTE أن شبكة أيبيريا كانت مفصولة بين الساعة 12:38 و13:30 يوم الاثنين؛ وبعد إعادة الربط، وفرت فرنسا فوراً 700 ميغاواط، زادت لاحقاً إلى 2,000 ميغاواط.
مكنت تلك الجهود من إعادة الكهرباء إلى محطات التوزيع في شمال وجنوب وغرب إسبانيا.
بحلول الساعة 19:20 من مساء الاثنين، كان أكثر من خمس الطلب الكهربائي في البلاد قد تم تلبيته مزيج من الإنتاج المحلي والواردات الفرنسية.
وأبلغ مزود الطاقة “إنديسا” أنه بحلول الساعة 19:15، كان قد أعاد الخدمة إلى نحو 3.5 مليون عميل، مع إعطاء الأولوية للمستشفيات والبنية التحتية الحيوية أولاً.
وبعد ذلك بقليل، أعلن رئيس “ريد إلكتريكا” إدواردو برييتو استعادة حوالي 9,200 ميغاواط — أي نحو 35% من الطلب المتوقع.
تقدم التعافي تدريجياً — حيث بلغ 61% بحلول منتصف ليلة الاثنين وتجاوز 99% بحلول السابعة صباح الثلاثاء.
الاهتمام الآن يتوجه إلى الأثر الاقتصادي الكبير. إذ قدرت جمعية أرباب العمل الإسبانية CEOE الخسائر بنحو 1.6 مليار يورو.
ازداد تبادل اللوم السياسي، مع توجيه الاتهامات من عدة أحزاب بشأن إدارة الأزمة.
وانتقدت رئيسة منطقة مدريد، إيزابيل دياز أيوسو، الحكومة المركزية لبطء وضعف استجابتها، بينما وصف زعيم المعارضة ألبرتو نونيز فيخو المشاهد بأنها “مؤسفة” لصورة إسبانيا العالمية.
ومع ذلك، أشاد المسؤولون الحكوميون بمرونة وتضامن الشعب الإسباني.
وكانت المستشفيات قادرة على مواصلة الخدمات الحيوية عبر مولدات ديزل احتياطية.
وأعلنت الحرس المدني الإسباني عن إنقاذ 13,000 راكب قطار تقطعت بهم السبل أثناء الانقطاع.
في فيانويفا دي كوردوبا، قدم السكان المحليون الدعم لمن كانوا على متن قطار “ويغو” المتوقف.
وعاد رجال شرطة المرور في برشلونة لتنظيم حركة المركبات بشكل يدوي في ساحة إسبانيا بعد تعطل الإشارات المرورية إثر الانقطاع.
واضطر ركاب المترو في برشلونة إلى السير عبر الأنفاق مستعينين بأضواء هواتفهم المحمولة بعدما حوصروا تحت الأرض.
وتم تحويل مركز المؤتمرات في جيرونا بسرعة إلى مأوى يضم 180 سريراً لأولئك العالقين بسبب توقف القطارات.
وتمكنت شركة تشغيل المطارات “اينا” من إبقاء الرحلات الجوية تعمل على مستوى البلاد بفضل المولدات الاحتياطية، رغم انتشار التأخير.
ومع تعطل الاتصالات، اعتمدت العديد من العائلات على أجهزة الراديو التي تعمل بالبطارية أو بالسيارة للحصول على التحديثات بينما واصل المذيعون البث طوال الليل.
ووجهت السلطات في مدريد نداء عاجلاً للتبرع بالدم قبل عطلة نهاية أسبوع كبرى.
وقد تعهد رئيس الوزراء سانشيز بمراجعة شاملة لضمان عدم تكرار الأزمة.
ومع ذلك، حذر محلل الطاقة كارلوس كاجيجال على التلفزيون الإسباني من أن البنية التحتية الحالية قد تكون غير كافية للتعامل مع الارتفاع الحاد في مستويات الطاقة المتجددة.
وكانت “ريد إلكتريكا” قد حذرت سابقاً من تحديات دمج كميات مفرطة من مصادر الطاقة المتجددة مع التخلص التدريجي من الطاقة النووية.
لكن تسجيلاً قديماً لرئيسة الشبكة، بياتريز كوريدور، يعود لعام 2021 يظهرها وهي تعلن أن نظام الكهرباء الإسباني من بين الأكثر أماناً وتقدماً في العالم، مؤكدة أنه “لا داعي للقلق”.
ووفقًا للنتائج الأولية لمشغل شبكة الكهرباء الإسبانية، لا توجد أدلة على هجوم سيبراني وراء الحادث.
وبينما عادت الكهرباء الآن لغالبية إسبانيا والبرتغال، فإن تداعيات الانقطاع لا تزال مستمرة.
تشير البيانات الأخيرة إلى زيادة بنسبة 47% في أعداد الزوار لشهر أبريل مقارنة بالعام السابق.
وأعلنت إسبانيا حالة طوارئ وطنية حيث عانى الملايين من الانقطاعات وسط مشاهد من الفوضى.
حتى الآن، تم إلغاء 96 رحلة مغادرة في المطارات البرتغالية، في حين تم إلغاء 45 رحلة في إسبانيا.